الوطن الذى كان

قالوا عن خالد سعيد إنه بلطجي مجرم وهارب من الأيام، فار من العدالة، طريد الفردوس. وقالوا إنه تاجر مخدرات ورئيس عصابة وفتوة وعنده سوابق وخطر علي الأمن.


هل لو كان خالد كذلك كان النذلان اللذان قتلاه استطاعا أن يقتربا منه فضلاً عن أن يفتكا به؟. صدقوني لو قلت لكم إنني أشعر أن خالد قد مات لأنه لم يكن شيئاً مما قالوه عنه، وكان في طبعه الهادئ المسالم مقتله. ليته كان قاطع طريق كما ادّعوا عليه.. إذن لصادقوه وتحالفوا معه ولما استطاع أي وحش أن ينهش لحمه، إما بداعي احترام الكار الواحد أو خوفاً من بطشه!.

الناس بعد مقتل خالد أصبحوا يسألون بعضهم في خوف ما العمل إذا ما صادفوا أحد حيوانات السلعوة في الطريق؟. ماذا يفعلون إذا طلع لهم من تحت الأرض كما طلع لخالد كائنان مفترسان من حيث لا يدري ولا يحتسب؟. وما النصيحة التي يقدمونها لأبنائهم حتي يحموا أنفسهم من الموت في الشارع؟. هذا السؤال أصبح شغل الناس الشاغل بعد أن رأوا شاباً عادياً مثل أولادهم يتم تمزيق لحمه وتحطيم جمجمته وتهشيم أسنانه بدون سبب!. الحيرة تستبد بالناس ويسألون أنفسهم كما يسألون جيرانهم: ماذا نفعل إذا خرج لنا وحش من جانب الطريق في ظلمة الليل أو حتي في وضح النهار.. لا فرق؟. المشكلة التي تعذبهم أنه لم يعد باستطاعتهم إذا هاجميهم السلعوة أن يستنجدوا بالشرطة ويطلقوا الصيحة الخالدة كما في الأفلام المصرية القديمة: يا شاويش.. يا بوليس، ولا يستطيعون في الوقت نفسه أن يصرخوا علي المارة طلباً للعون، ذلك أن جمجمة الشهيد خالد خرج منها السائل وانبثق منها المخ علي الرصيف بينما الناس يتفرجون ولا يجرؤ أحد علي التدخل خوفاً من أن يكون الفريسة التالية للحيوان المخيف. لقد كتبت الصحف علي لسان صاحب مقهي النت أنه طلب من الوحشين أن يأخذا الفريسة بعيداً خارج المحل حتي لا يتلوث المكان بدمه وحتي لا يثيرا ذعر رواد المقهي!. هل يتعين علي الناس أن يحملوا السلاح خشية أن يبرز لهم الوحش الذي أصبح ظهوره المفاجئ لا يفاجئ أحداً؟. إن ما يبكيني علي القمر المغدور أنه في لحظاته الأخيرة- كما قال صاحب المقهي- لم يكن يفهم ماذا يحدث له ولماذا!. لقد كان مذهولاً حين وجد نفسه يتلقي الضربات الجبارة والدماء تنفجر من رأسه، وفكه ينخلع دون أن يعرف السبب. إن بإمكاني أن أصدق أن خالد وهو يتلقي الضربات كان علي استعداد أن يدفع نصف عمره ويعرف لماذا يضربانه، بشرط أن يتركا له النصف الآخر، لكنهما أبيا إلا أن يأخذا عمره كله دون أن يجيباه عن سؤاله! وأتصور لو أنه عرف حقيقة الأمر لمات راضياً بالشهادة، لكنه للأسف مات والسؤال علي لسانه: فيه إيه يا جماعة؟.

هل يجد خالد في الجنة من يقدم له تفسيراً عن سبب موته؟.
==
من الدستور
بقلم اسامه غريب

0 التعليقات:

إرسال تعليق