مستقبل مصر ومستقبل وزاره الداخليه

صورة جثة الشاب خالد سعيد الذي أوسعه المخبرون ضرباً حتي الموت في الإسكندرية والجمجمة المشوهة صورة إدانة لوزارة الداخلية التي عجزت بامتياز عن توفير الشعور بالأمن للمواطن وتجاوزت كل الخطوط الحمراء وصارت كوادرها تتمتع بقدر من الاجتراء علي المواطن لا يقف عند حد أو أحد. طالبنا مرارًا وتكراراً بمحاسبة وزير الداخلية عن جرائم رجاله الذين صاروا يتصرفون بدون أي مراعاة للحد الأدني من الإنسانية، ناهيك عن الأخلاق أو القانون، مع السكان الأصليين لهذا الوطن، لكن يبدو أن إطلاق القيادة السياسية في ظل قانون الطوارئ اليد لوزارة الداخلية قد أدي لعجز هذه القيادة السياسية ذاتها عن التحكم في هذا الغول حتي أصبح مستعصياً علي الترويض والتحكم. وليس مفهوماً أن تتغير قيادات ووزارات ويظل وزير الداخلية وحده جالساً علي جثث المعذبين وأجساد المواطنين دون أدني محاسبة رغم فشله التام في توفير الأمن (اللهم إلا أمن قيادة النظام فقط)، حتي إن الأمهات في هذا الوطن صار همهن الأكبر أن يعود لهن الرجال سالمين، ليس الكبار من إخوة وأزواج الذين توصيهم الزوجات بالبعد عن المشاكل والمشي بجوار الحائط ، بل الصغار الذين تربيهم أغلبية البيوت علي تجنب الاحتكاك بالشرطة بأي ثمن والخنوع أمام الأمن حتي لا يضره ، في الشارع والجامعة والعمل وكل مكان. والقضية ليست فقط الانخراط السياسي الذي صار ثمنه الضرب بالرصاص الحي لو ذهبت للانتخابات تمارس حقك القانوني كما حدث في انتخابات الشوري المهزلة التي فاز فيها عدد محدود من المستقلين وبعض مرشحي األحزاب الكرتونية الصغيرة وثلاثة من الأقباط ولم ينجح من الإخوان واحد أوحد وحيد متوحد ولو من باب ذر الرماد في العين (العين التي تم قصفها بقنابل الغاز المسيل للدموع وضربها بالرصاص المطاطي في انتخابات الشوري في البحيرة)، بل وصل الأمر لوضع الكلبشات في يد المصابين في المستشفي التابعة لوزارة المفترض أن تمنحنا الرعاية الصحية وتكون حرماً لا يتم فيه الفرز علي أساس سياسي لكنها صارت مؤخرا تسمح بإخراج المصابين قبل استكمال العلاج لينتقلوا معتقلين للأقسام وتمنح سياراتها مجاناً لوزارة الداخلية لتسهيل القبض علي المعارضين السياسيين كما حدث في اعتقال بعض الإخوان منذ فترة قريبة.ولا توجد محاسبة ولا رقابة.تجاوز الأمر السياسة للسير في الشارع، الجرائد المعارضة والمستقلة رصدت اعتقالات وانتهاكات حين يعترض أحد علي تفتيش غير قانوني أو سخافات غير مبررة من باب "فتح مخك".

الملف الأسود لوزارة الداخلية ملف متضخم، وحالات الوفاة الناتجة عن الانتهاك والتعذيب ليست جديدة، والثقافة الشفهية المصرية تتناقل تلك المعلومات وتحفظها ليوم لا يعلم إلا الله متي يأتي ينفد فيه الصبر بعد أن يتبدد الخوف، فالنظم الاستبدادية يأخذها غرور القوة فيصيبها العمي، وغطرسة القوة الصهيونية لا تختلف كثيراً عن غطرسة القوة البوليسية ، والأمن من المحاسبة والعقاب يخرج من النفوس أكثر النزعات وحشية، وهذه خبرة تاريخ الثورات والانتقالات التاريخية الذي لا يعلم عنه ضباط الشرطة في الغالب شيئاً.

رأيت عبر السنوات بعيني كيف يُهان المصري علي يد من يجب أن يوفر له الأمن، وكيف يُباع الوطن لمن يدفع أكثر، وكيف تنظر النخبة السياسية ونخبة المتاجرين بثروات الوطن للشعب باحتقار، وشاهدت كيف أن الأسوار العالية والأموال الكثيرة لم تفلح في حمايتهم ولا توفير الحياة لأبنائهم الذين ماتوا علي نفس الأسفلت الذي عجز النظام عن تأمينه-سيان من يركب الجاجوار ومن يركب الميكروباص.

تلك العجرفة وهذه البلادة ونزعات التوحش العدواني تلك ستحتاج وقتًا طويلاً للعلاج، لكن لا بد من وقفها فوراً، والادعاء بأن الشاب خالد كان له سوابق من متاجرة بالمخدرات أو التعرض لأنثي لو صدقت (كما لو صدق تقرير أنه مات باسفكسيا الخنق!) لا تبرر تهشيم الجماجم وإزهاق الرواح.

والعفريت الذي يلوح به النظام هو الانفلات الأمني، لكن هذا الانفلات متحقق بالفعل في الحياة اليومية بتنامي بلطجة النظام وبلطجة القوة في كل التفاصيل التي نشاهدها في كل مكان، لكن حين نفقد أبناءنا ونهرول خلفهم في الأقسام ونسعي بالواسطة لاستنقاذهم من تهم ملفقة وإهانة متعمدة لم نعد نعلم من ستصيب المرة القادمة، وحين ندخل في دائرة العنف العشوائي من قبل الأمن فالنتيجة هي دفاع عشوائي عن النفس، وهو ما حذرت منه أقلام كثيرة، بل وأفلام، يأخذها النظام باستخفاف واستهانة صعوداً للهاوية.

نحن علي استعداد للتضحية بأبنائنا من أجل الدفاع عن الوطن والموت في سبيل قضية، لكننا لسنا علي استعداد للتضحية بهم علي مذبح الداخلية ولسنا علي استعداد لاستلامهم نفسيات محطمة من الإهانة والتنكيل والانتهاك، ولا استلام جثثهم مشوهة من التعذيب علي يد من يجب أن يكونوا رجال الأمن وحماة الشعب، وإذا عجز النظام عن وقف هذه الآلة الشرسة فإن هناك قوي سيادية يلزم أن تهب الآن لتحمي المواطن ..والوطن

0 التعليقات:

إرسال تعليق